نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا | وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا |
وَنَهجو ذا الزَمانَ بِغَيرِ ذَنبٍ | وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا |
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ | وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا |
يا بؤس للقلب بعد اليوم ما آبه
يَا بُؤسَ لِلقَلْبِ بَعْد اليَوْمِ ما آبَهْ |
ذِكرَى حَبيبٍ ببعضِ الأرْضِ قد رَابهْ |
قالّتْ سُلَيْمى أرَاكَ اليومَ مُكْتَئِباً |
والرَّأْسُ بَعدي رَأيتُ الشّيْبَ قد عابه |
وحَارَ بَعْدَ سَوَادِ الرَّأْسِ جُمَّتَهُ |
كمِعْقَبِ الرَّيطِ إذْ نَشَّرْتَ هُدَّابهْ |
ومَرْقَبٍ تَسْكُنُ العِقْبانُ قُلَّتَهُ |
أشْرَفْتُهُ مُسْفِراً والنَّفْسُ مُهْتَابَهْ |
عَمْداً لأرْقُبَ مَا لِلجَوِّ مِنْ نَعَمٍ |
فَناظِرٌ رائِحاً مِنْهُ وعُزَّابَهْ |
وقدْ نَزَلْتُ إلى رَكْبٍ مُعَقَّلَةٍ |
شُعْثِ الرُّووسِ كأنَّ فَوْقَهُمْ غابَهْ |
لَمَّا رَكِبْنا رَفَعناهُنَّ زَفْزَفَةً |
حَتى احْتَوَيْنَا سَوَاماً ثمَّ أرْبَابَهْ |
فدتك يدي من عاتب ولسانيا
فَدَتكَ يَدي مِن عاتِبٍ وَ لِسانِيا | وَقَولِيَ في حُكمِ العُلا وَ فَعالِيا |
فَإِنَّ يَزيدَ وَالمُهَلَّبَ حَبَّبا | إِلَيكَ لمَعالي إِذ أَحَبّا المَعالِيا |
وَلَم يورِثاكَ القَولَ لا فِعلَ بَعدَهُ | وَما خَيرُ حَليِ السَيفِ إِن كانَ نابِيا |
تَرى الناسَ فَوضى في السَماحِ وَلَن تَرى | فَتى القَومِ إِلّا الواهِبَ المُتَغاضِيا |
وَإِنّي صَديقٌ غَيرَ أَن لَستُ واجِداً | لِفَضلِكَ فَضلاً أَو يَعُمَّ الأَعادِيا |
وَلا مَجدَ إِلّا حينَ تُحسِنُ عائِداً | وَكُلُّ فَتىً في الناسِ يُحسِنُ بادِيا |
وَما لَكَ عُذرٌ في تَأَخُّرِ حاجَتي | لَدَيكَ وَقَد أَرسَلتُ فيها القَوافِيا |
حَرامٌ عَلَيَّ غَزوُ بَذٍّ وَأَهلِها | إِذا سِرتُ وَالعِشرونَ أَلفاً وَرائِيا |
فَلا تُفسِدَن بِالمَطلِ مَنّاً تَمُنُّهُ | فَخَيرُ السَحابِ ما يَكونُ غَوادِيا |
فَإِن يَكُ في المَجدِ اِشتِراءٌ فَإِنَّهُ اِش | تِراؤُكَ شُكري طولَ دَهري بِمالِيا |
القيم المنقرضة
في الدرب الطويل، يسكن الصبرُ، |
مثل السحاب، في صمته يعتمرُ. |
يُبنى بالدمع، ولا يتزعزع، |
تحت الغيم، يتنفس، ولا ينهزم. |
وفي العفو، بحرٌ عميق، |
يخفي الهمس، ويطوي السقيع. |
لا يراه سوى من غرق في الظلام، |
وفي نسيانٍ، ينبت السلام. |
أما الإخلاص، فهو نورٌ خفي، |
يضيء الطريق، في الهدى يفي. |
لا يعترف بالزمن ولا بالقدر، |
وفي القلب، لا يتبدل ولا يغدر. |
تسير الأرواح بين المدى البعيد، |
والكلمات تهمس، والأفعال تبيد. |
لا شيء يدوم في هذا الكون الزائل، |
إلا ما كان في الصمت ثابتًا، لا يضائل. |
سكون
و كأنها لمسة من وداع مختصم |
موعد للآفاق معتصم |
أترفضين قلبا أقسم |
بفؤاد حمام مشتمل |
و قول صديق هل أنا مبتدع |
وصال والشمس مقتصيا |
هل أنت يا نجم مستسلما ؟ |
لقضاء كالمهد منتئم… |
أحبك فوق كل ساكنا |
و في سبيل كل شاهد ملتزم.. |
هل أنا منهزما و هل أنت مصدقتي |
حين يبوح العتاب بالحب
أما كنتِ يومًا لصوتي الوضوح؟ |
أما كنتِ ملجأً لقلبي الجروح؟ |
تركتِني وحدي في بحرِ الشقاء، |
وضاعَ الأمانُ، وأنتِ السفوح! |
وهل كنتَ أنتَ لوجعي السند؟ |
أمِ الحلمُ كانَ، وفيه خلدت؟ |
كنتُ أزرعُ فيك الحنينَ ورودًا، |
وأنتَ الذي في الهجرِ اجتهدت! |
هَجرتُكِ؟ كلا، بل أنتِ البعيدة، |
سكنتِ الصمتَ، وجعلتِهِ قصيدة. |
أنا منْ أرادَ أن نبقى كما كنّا، |
ولكنَّكِ في كلِّ دربٍ عنيدة! |
عنيدة؟ بل قلْ كنتَ أنتَ الغريب، |
تغيبُ، وتتركُ للحيرةِ نصيب. |
أنا منْ وهبتُك قلبًا بلا ترددٍ، |
وأنتَ الذي أوصدَ البابَ قريب! |
لا ننكرُ الحبَّ، لكنَّا ضعاف، |
أثقلتِ قلبي بأحمالِ الخلاف. |
ورغمَ الفراقِ الذي كنتِ سببه، |
قلبي إليكِ، ما زالَ يشتاقُ ويعاف. |
الحبُّ أكبرُ من عتبٍ يقال، |
يبقى وإن جارَ علينا المحال. |
فرغمَ الأذى، والقسوةِ بيننا، |
قلبي إليكَ يعودُ في كلِّ حال |
حديث القدس
يَا قُدسُ أَيَّ كَلَامٍ سَوفَ أَبتَدِئُ | عَن أَيِّ حَالٍ غَدَونَا فِيه مِن كَدَرِ |
بَقَيَّةُ الظُّلمِ جَارَت فِي أَذِيَّتِنَا | فِي غُربَةِ النَّفسِ وَالأَوطَانِ وَالبَشَرِ |
أُفضِي إِلَيكِ البَلَايَا قِصَّةً تُروَى | فِي قِطعَتَينِ مِنَ الأَكفَانِ وَالخُمُرِ |
نَبكِي مَوَاجِعَ قَهرٍ مِن مَحَاجِرِنَا | وَتَذرِفُ العَينُ مِدرَاراً مِنَ العِبَرِ |
فَوقَ الغَمَامِ جَلَسنَا نَشتَكِي وَصَباً | نُشَاهِدُ المَوتَ لَفَّ الرُّوحَ بالدُّثُرِ |
نَرَى السَّمَاءَ اكفَهَرَّت فَوقَنَا غَضَباً | تُلقِي عَلَينَا الرَّدَى كَوَابِلِ المَطَرِ |
تَأبَى الطُّيُورُ ارتِحَالاً عَن مَسَاكِنِهَا | وَتَألَفُ الدَّارَ أَكوَاماً مَنَ الحَجَرِ |
وَيَرفُضُ الكَونُ وَالأَقوَامُ جِيرَتَنَا | وَسَلَّمَتنَا شِرَارُ الإِنسِ لِلضَّرَرِ |
كَأَنَّمَا الدَّهرُ قَد تَاهَت نَوَائِبُهُ | وَلَم يُلَاقِ سِوَانَا أَصبَرَ الزُّمَرِ |
تَعدُو خُطَانَا عَلَى الأَهوَالِ تَارِكَةً | ثَوبَ المَنَايَا وَأَسمالَاً مِنَ الأَثَرِ |
لَم يَبقَ مِنَّا سِوَى مَا خَطَّهُ القَدَرُ | وَمَا حَمَلنَا عَلَى الأَكتَافِ وَالدُّسُرِ |
قَد آثَرَ النَّاسُ فِي الهَيجَاءِ مَقتَلَنَا | وَآلَفَت عَينُهُم ذَبحَاً مِنَ النُّحُرِ |
نَمُوتُ جُوعاً أَمَامَ العُربِ قَاطِبَةً | وَهُم شُهُودٌ بَأَحدَاقٍ بِلَا بَصَرِ |
سَبعُونَ عَامَاً وَمَا هَانَت عَزَائِمُنَا | نُهدِي السَّمَاوَاتِ أَقمَاطاً مِنَ الدُّرَرِ |
حُدُودُ وَهمٍ عَلَى الأَورَاقِ قَد رُسِمَت | سِجنٌ مِنَ الحِبرِ قَد أَضحَى مِنَ الجُدُرِ |
تَنَاسَتِ النَّاسُ أَنسَاباً لها شَرَفٌ | وَنَحنُ عُربٌ مدى الأَزمَانِ مِن مُضَرِ |
فَكُلُّ أَوطَانِنَا فِي القُدسِ جَوهَرُهَا | وَكُلُّ أَطفَالِنَا عَلَى خُطَا عُمَر |
اهديكِ
أهديكِ وردة حمراء خضبها السواد |
كبنان الخود خضبها دمي |
يا لوعتي على الزمان حين صّدت |
و خلتني غريق ببحر المندمِ |
ما أبقت الأيام الا صور في خيالي |
الحان و ترانيم يتلوها فمي |
رسم محياك لم يزل يا أجمل |
لوحة جوّدها الرسام بالقلمِ |
بعطر شذاها و مياس قدها |
و لذيذ حديثها و قوس المباسمِ |
يا ريح الصبا سيري في سما نجد |
و عرجي ببغداد عليهم سلمي |
و خليني في صنعاء وحدي فريداً |
و نار الشوق في صدري تَّضرمِ |
و قولي لهم ذكرى المودة جمرها |
يكوي العروق و يسري في دمي |
و خذي مني قبلة تلثم قانية |
اللمى عهدتها حمراً مشابهة الدمِ |
سيبقى خاطري يرسم من خيالِ |
احلام الصبا يبني القصور و يهدمِ |